-->
مدونة الكتابة والإبداع والنقد مدونة الكتابة والإبداع والنقد

recent

الجديد

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

8 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"


8 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"


المحاكمة

ـ 1 ـ

أما أثر الكتاب في تارودانت فقد صُدِم الأساتذة بما فيه من نقد، فهاجوا وماجوا، فقال أحدهم: سأرد عليه بكتاب من عندي، واقترح بعضهم رفع دعوى قضائية يشكون فيها سب وقذف رجال التربية والتعليم، ورأى بعضهم أن العصا أشفى للعليل وأروى للغليل، ثم أثبتوا أنهم أصحاب العصي والنصال لا أرباب الأقلام والطروس، فحذرني الأستاذ الدكتور من دخول تارودانت والتطواف فيها، فهجرتها وأصبحوا أحبة من حيث هم أعداء وخصوم، وذلك أني إن اضطررت لزيارتها رددت مع المتنبي:

أزورهم وسواد الليل يشفع لي ** وأنثني وبياض الصبح يغري بي

****
وذات أصيل بعد صلاة العصر تقدم إلي "المقدم" ومد إلي ورقة مطوية، فنشرتها فإذا فيها:

 إلى السيد كومشي عبد الرحمن

الطلب: الحضور إلى مركز الضبط؟؟؟؟؟؟بالصويرة. لم أعد أتذكر  اسم ذلك المركز.

وفي ضحى الغد وجدتني في الصويرة أسأل عن موقع المركز فدللت على مكتب لرجال الدرك الملكي فوقفت على الباب، فتقدم إلي الحارس فمددت إليه الورقة، فقادني إلى مكتب حيث يجلس دركيان فأذن لي أحدهم بالدخول وأمرني بالجلوس، وسحب جرار مكتب، وأخذ نسخة من كتاب الصدق والصراحة فقال: هذا كتابك؟

****

أذكر أني شرعت في كتابة أحداث هذه المحاكمة على شكل قصة، في الغابة وراء أغنام ابتليت برعيها، وجل ما كتبت في تلك الأيام كتبته في الغابة أو هيأت مواده للكتابة ـ ولكني لم أكملها، ولا أدري لم انصرفت عن ذلك.

ولما رجعت هذا الصيف إلى الأرشيف وجدت ما يأتي:

20 شوال 1423 هـ 26 كانون الأول 2002 م

استدعيت من قبل الدرك الملكي بالصويرة. وكنت سمعت من قبل أن دعاوى رفعت ضدي بما جاء في الكتاب، فلما دخلت ومددت الاستدعاء للمحقق قال بتأفف:

ـ لشد ما بحثنا عنك!

أدركت سبب تأففه ذلك بأن اسمي العائلي في الاستدعاء محرف فكان: "كومشي".

قلت في نفسي: خير إن شاء الله!

سحب جرار المكتب، فأخذ الكتاب وقال:

ـ هذا كتابك؟

ـ لا ريب فيه.

ـ لدينا شكاية يتهمك صاحبها بالشتم والقذف.

ـ من الشاكي؟

ـ السيد المدير.

ـ إنها آتية من حيث لا أتوقعها!

ـ هل توقعتها من غيره؟

ـ قبل الشروع في التأليف!

ـ إنك إذن لجريء!

ـ من يملك الحقيقة ولم يعلنها فعليه اللعنة!

ـ ألم تعلم أنها مكلفة؟

هذا كل ما كتبت في تلك الأيام ولكن الأحداث أستحضرها الآن كما وقعت إلا تفاصيل لا تغير جوهرها.

سألني المحقق عن الأستاذ: متى عرفته؟ وكيف عرفته؟ وهل هو مؤلف الكتاب؟ وما المواد التي زودك بها في التأليف؟ وهل أعانك بشيء؟ فأدركت من وراء هذا أنه هو الهدف من المحاكمة، فنبوغه وتميزه في المعهد، وجملته التي قالها لي يوم استشفعته إلى المدير في السنة: 95 أيام المحنة،تجدها في ص: 33 من الصدق والصراحة، وعلاقته بالإدارة كما حكاها لي أصدقاء، وما ذكره هو في الرسالة التي نشرتها في بداية هذه الشؤون والشجون لما سألته عن الضجة، كل ذلك يزكي هذا الإدراك.

حكيت للمحقق كيف عرفت الأستاذ كما ذكرت في بداية هذه الشجون. وأعلنت له أنني مسؤول مسؤولية كاملة عن كل ما جاء في الكتاب، فالأستاذ لا علاقة له به لا من بعيد ولا من قريب.

ومن أسئلته: المدير قال: إنك طلبت منه أن يعطيك شهادة البكالوريا أو يساعدك على الحصول عليها؟


 وما علاقة ترجمتك بالكتاب؟ ....


وفي الجواب على أسئلته أكتفي بالجواب المختصر، وقد أخرج من الجواب بلا أو نعم.

وبجانبه دركي قزم نحيف شلح، قال: يجب الاسترسال في الكلام، فقلت له: أنا أجيب على قدر السؤال، على أني لا أحسن التحدث بلهجتكم، فقال بانفعال: كتبت الكتاب ولا تحسن التحدث؟ فقلت له: قلمي أفصح من لساني! فواصل بانفعاله: لو كنت في مكان "الشاف" لفعلت وفعلت!

فقال له الشاف على ما أذكر: لا بأس، دعه!

وكان رجلا طيبا، وكان قد أوغل في قراءة الكتاب كما قال، وفي أثناء التحقيق لما قرأ البيت الذي ذكر فيه المطالب بالحق المدني أنه سب وشتم، ضحك وأعجب به.

ومن الخطأ الذي وقعت فيه أني قلت له: إذا كان هذا سبا وشتما فإني أعتذر إليه.

ثم أخبرني أن المدير يطلب أن تدفع خمسين ألف درهم لجمعية آباء وأولياء تلاميذ ثانوية محمد الخامس، وتنشر قرار الحكم بجريدتين وطنيتين على نفقتك.

حنانيك سعادة المدير!

أتريد إرهاقي يكفي أن تطلب خمسين ألف ريال؟ أم تريد التصدق؟ فيكفي الثلث، والثلث كثير! أم استفزك أبو الطيب:

إذا غامرت في شرف كبير ** فلا تقنع بما دون النجوم

والله يشهد أن ذلك المبلغ لم يمر في يدي من الخمسين فرنكا التي عثرت عليها وأنا طفل ألعب الكاش كاش مع زملائي في أواسط السبعينات إلى المرتب السنوي التي جاد به المشارطون في 2002 عام المحاكمة والدَّيْن! 

ثم انصرفت.

ثم ذهبت إلى تارودانت لأخبر الأستاذ بالقصة، لأني لا أملك رقم هاتفه، فنصحني بخطة نفذتها على مضض، لأني أخاف أن يناله مكروه من هذه المحاكمة، وإلا فنفسي أبية لا تقبل ذلك، وهي أن أتصل بالأستاذ لسان الدين عضو المجلس العلمي بأكادير، وأطلب منه أن أقدم إلى المدير اعتذاري على أن يسحب تلك القضية من المحكمة، ولكن المدير أبى واستكبر.

وحز هذا في نفسي وآلمني كثيرا.

ثم حان موعد المحاكمة، فذهبت إلى الصويرة، واتصلت بمحام معروف عند بعض معارفي المتنازعين في قضية غابة منذ فجر الاستقلال، وقد أشرت إليها في الصدق والصراحة.

اتفقت معه على مبلغ مالي فأعطيته مائة درهم على أن أدفع الباقي بعد إنجاز المهمة.

ها أنا ذا أجلس في المحكمة أنتظر أن يناديني القاضي!

تتوالى القضايا والمحامون يستعرضون عضلاتهم القانونية، والتحايل على القانون ولي أعناق نصوصه!

مهازل تعرض لا تعدو في أغلبها أن تكون أراضي موروثة متنازعة بين الأشقاء والأعمام، وحدودا تنتهك بانتقاصها من الخصم، وأشجارا ذابلة عقيمة تؤدى عنها الأيمان الغليظة!

والقاضي شبه إله يحكم ويقضي، يرفع ويخفض، يعز ويذل!

ولعل ذلك على حسب الدفع والدفع المضاد!

                            يتبع

عن الكاتب

قريشي عبد الرحمن

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

إحصاءات المدونة

زوار المدونة

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الكتابة والإبداع والنقد

2019