-->
مدونة الكتابة والإبداع والنقد مدونة الكتابة والإبداع والنقد

recent

الجديد

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

9 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"


9 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"



المحاكمة

ـ 2 ـ

وبينما أنتظر دوري متوترا إذ ربَّتَت يد على كتفي فالتفت فإذا بمحام يسلم علي ويسألني:

ـ أأنت صاحب هذا الكتاب؟
ـ نعم.

ـ أريد أن أتولى الدفاع عنك؟

ـ مرحبا، ولك الشكر الجزيل على ذلك.

ـ إذا دعاك القاضي للمثول بين يديه فسأتقدم إليه وأطلب منه تأجيل المحاكمة حتى أدرس قضيتك.

ـ يسرني ذلك.

ولما أن ناداني القاضي خف إليه المحامي فسأله تأجيل المحاكمة حتى يتسنى له دراسة القضية، فوافق القاضي وضرب لنا موعدا شهرا أو يزيد.

ثم قال لي المحامي: انتظرني أمام المحكمة حتى أخرج في الثانية عشر زوالا.

وسبب ذلك كما أخبرني وأنا معه في سيارته عائدين إلى داره أنه جلس مع محامِيَّ فرأى في يده الكتاب، وأخذه فقرأ منه شيئا فأعجبه، وقال لي: ذكرني أسلوبه بأسلوب المنفلوطي، فقلت له: ولا غرو فقد قرأت كل آثاره تقريبا وأعدت قراءة بعضها، بل كنت أستظهر تعابيره الجميلة أيام دراستي.

وكان رجلا طويل القامة، أصلع حليق الذقن، طيبا كريما، حلو الحديث، أخباريا، ذا نوادر، أستاذا للغة العربية/ الثانوي التأهيلي سابقا، ثم قاضيا ثم أصبح  الآن محاميا، واسمه محمد الناصري، وهو من عائلة صاحب "الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى".

وقد استغرب محاكمتي وقال: هذه أول مرة أرى في الصويرة كاتبا يحاكم على الكتاب، وكان واجبا أن تشجع لا أن تحاكم.

تغديت عنده وأعطاني مائة درهم، ثم صارت هذه ضريبة في مقبل الأيام، أتغدى وآخذ مائة درهم، وقد تولى الدفاع عني مجانا.

ولما حان موعد المحاكمة جئت إليه، فعلمني كيف أدافع عن نفسي إذا دعاني القاضي للمثول بين يديه، وهذا ما لم يفعله المحامي السابق.

ولما مثلت أمام القاضي أدليت بحجتي في الدفاع عن نفسي كما لقنني، ولكن بصوت خافت ومتهدج ومتوتر، ولعل المحامي مصدوم إذا قارن بين حديثي وكتابتي، فانخلاع الفؤاد هناك، ورباطة الجأش هنا متناقضان أشد المناقضة، وربك يخلق ما يشاء ويختار.

أما الخصم فقد اتخذ محاميين، ولم يحضر الجلسة، ومما قالاه ردا على قولي: ما ادعاه الخصم من سب وشتم أنا مردد فيه ومنشد في حالة غضب وحنق تستدعي ذلك، لا منشئ متورك، والجرائد طافحة بسب وشتم وقذف من هذا النوع في حق أعلام الأمة بل والأنبياء ـ قالا: الفرق كبير بين الجريدة التي تقرأ في الصباح وتنسى في المساء والكتاب الذي يبقى خالدا ويصل إلى أعداد كبير من القراء!

ثم انبرى لهما المحامي بفصاحة وجرأة أخجلتني، ولكن لا غرو، فهذا ميدانهم، وأما أنا فمن غُزَيَّة إن غوت....

وأيا كان الأمر فقد صدر الحكم بعد مدة بسجن الكاتب شهرا واحدا مع وقف التنفيذ، وغرامة مقدارها ألف درهم، وتعويض المجني عليه بثلاثة آلاف درهم.

ثم استأنفت الحكم.

وقد عثرت في الأرشيف على ورقة كتبت فيها حجتي في الدفاع ضمنتها الملف الذي رفعته إلى المحكمة الاستئنافية بأسفي:

1 ـ الأستاذ عمر لشكر لم أعرفه إلا بعد تحرير ترجمتي بأزيد من شهرين.

2 ـ لم أطلعه على ترجمتي لأنه أستاذ في المعهد، أخاف أن يكون بعض الأساتذة المذكورين أصدقاء له، فيطلعهم على الترجمة، فيقع ما أخاف، ولكني أخبرته أني سألحق بالكتاب ترجمتي التي انتقدت فيها أساتذتي في جميع مراحل دراستي بنفس الأسلوب الذي تناولت به أعلام حاحا.

3 ـ كتبت هذه الترجمة لأني أحب أن يعرفني القارئ قبل قراءة كتابي اقتداء بي أعني أنني أحب أن أعرف الكاتب قبل قراءة كتابه.

4 ـ كتبت هذا الكتاب لأمرين:

أ ـ لتصحيح الأخطاء الموجودة في كتاب: "المتعة والراحة".

ب ـ أريد أن يكون الكتاب حافزا لأبناء المنطقة المثقفين لتنشيط الحركة الأدبية.

حاشية: هيهات، هيهات!

5 ـ ركزت على المعهد في ترجمتي لأن الأحداث فيه كثيرة أعني الأحداث التي تتعلق بدراستي، وأنا أعتبر الفترة التي قضيتها في المعهد نقطة تحول في حياتي الدراسية، والمعهد قضى علي قضاء مبرما وأبعدني عن الدراسة التي هي كل أملي.

6 ـ أنا أنفي نفيا جازما أن يكون أحد من الناس قد أعانني في تأليف هذا الكتاب، فأنا المسؤول عن كل ما فيه.

7 ـ أما بخصوص التهمة بأني شتمت المطالب بالحق المدني بقولي في ص 26: "ضعيف الشخصية جبان، لا يثق حتى بأهله كما قال أحدهم" فإني أقول: هذا الكلام ليس من إنشائي، إنما رويت ورددت ما يقول التلاميذ في المعهد، وإذا كانت حكاية ما يقوله الناس تعتبر شتما وقذفا فإني لا أعتبر المطالب بالحق المدني محصنا، وتوجد رواية بعنوان: "رماد سوس" لكاتب يدعى إبراهيم بوزاليم طعن طعنا فاحشا في أخلاق هذا الرجل الذي يطالب الآن بالحق المدني، ونقرأ في الجرائد ما يكتبه الصحافيون عن الأنبياء وعلماء السلف من نقد جريح وطعن فاحش وسب وقذف، أين منه ما كتبته أنا عن هذا الرجل وغيره؟

أما البيتان الشعريان الموجودان في ص 36 فإن كلمة ك... جاءت في سياق الكلام رغما عني، على أني لم أوجه إليه هذا الكلام لم أقل له: أنت يا فلان ك...! ولم أدق عليه الباب فخرج إلي فقلت له: يا ك...

كل ما في الأمر أني غادرت تارودانت مَغِيظا حانقا يائسا، فأنشدت هذا الشعر معبرا عن خيبة أملي!

8 ـ أما لماذا ذكرت أسماء الأساتذة فلأن ترجمتي تعتبر فهرسا، ومن خصوصيات الفهرس ذكر الأسماء، لأن التاريخ سيسألني عن أسماء الأساتذة الذين تلقيت عنهم العلم، من أجل ذلك ذكرت أسماءهم.

9 ـ أما ما ذكره من أني طلبت منه أن يعطيني شهادة البكالوريا فمحض كذب وافتراء، كل ما طلبت منه أن يلحقني برفقائي الذين تجاوزوني بسنة، وتفصيل ذلك مذكور في الكتاب ص: 32 ـ 36.

حاشية: ولعل سبب كل ما وقع لي من مآس يعود إلى وعد منه لم أذكر ه في الكتاب، وهو أنه قال لي بعظمة لسانه يوما: أرى أنك تلميذ ممتاز، إن شاء الله سنسمح لك بتجاوز سنة وإلحاقك بالسنة الثالثة إعدادي. وبناء على هذا الوعد انقطعت عن الدراسة لأشارك في الباكالوريا الحرة فإن نجحت وإلا فسألتحق برفقائي كما وعد، ثم وقع ما ذكرته مفصلا في الصدق والصراحة وإلى الله عاقبة الأمور.

يتبع

عن الكاتب

قريشي عبد الرحمن

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

إحصاءات المدونة

زوار المدونة

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الكتابة والإبداع والنقد

2019