6 ـ شؤون وشجون "الصدق
والصراحة"
ـ 3 ـ
أما ما تحمد الله عليه سخرا من أنه
"قيض لهذه المنطقة ومدارسها من يأخذ بالمبادرة،
ويعمل لتأسيس مدرسة أنموذجية" اهـ . فلن يكون ذلك حتى نرى دورك
الممتاز في إصلاح المحاكم كما رأينا دور شيخك الطلائعي في الزاوية. وقد تعلم أن
السلطة التشريعية غير السلطة التنفيذية.
ثم قلت: "وإذ ذاك ندرك أن هذا هو الطريق السليم الذي ننتظر من أخينا أن
يسلكه بنا، لا أن نتراشق بالعبارات المنمقة ولا أن نختال في القول، ونجول ونصول
بين السطور، ونأتي من الخلف لنطعن في الخواصر، ونثبط الهمم والعزائم، ونجهز على ما
بقي في الجسد من رمق الحياة، وننقض على الأموات ـ والحي قد يغلب ألف ميت ـ فننبش
عليهم قبورهم ونهتك حرماتهم، ونجردهم حتى من أبسط اعتقاداتهم التي تبقى سرا بين
العبد وخالقه" اهـ
اعلم أن الجولة والصولة لا يحسنها
إلا الشجعان، فإن كنت منهم فامتشق صمصامتك، وإلا فانسحب من الميدان، وخذ سبحتك
واصحب الدراويش وهمهم ودندن، ومنّ نفسك الأماني، لعل الزمن الساخر يقيض لك مؤرخا
أبله يحدث بكراماتك، ويرفعك إلى عنان السماء!
واعلم أيضا أن النقد لا يثبط الهمم
والعزائم بل ينشطها ويثيرها ويشحذها، فتنتفض الأجساد العليلة والعقول المريضة التي
فيها خير، لتجري دماء العافية في شرايينها، وتستأنف حياة لها معنى. أما التي لا
خير فيها فإلى الجحيم، والإجهاز عليها وتصفيتها مما يثاب عليه.
وأما الانقضاض على الأموات ونبش
قبورهم فجائز بل واجب إذا كان في ذلك تصحيح للمفاهيم الخاطئة والأغلوطات الفادحة،
وإحقاق الحق وحسم لشرور وأضاليل تضر الأمة في معاشها ومعادها وما أشبه ذلك.
وأما تجريدهم من أبسط اعتقاداتهم
فإني لم أكفر أحدا من الذين كتبت عنهم، كل ما في الأمر أن صاحب المتعة قال: هم
ملائكة أو أشباه الملائكة، فقلت له: كلا بل هم بشر!
وشيخك لم أجرده إلا من الولاية،
وإذا كان هذا في نظرك أبسط الاعتقادات فما هو أعقدها؟
ذلك ولم آت من الخلف لطعن الخواصر
بل واجهت في وضح النهار، والكتاب موجه أساسا إلى صاحب المتعة الذي تفرعن وقال: أنا
ربكم الأعلى، وهو لا يزال حيا يستهلك رزقه، وفي الكتاب نقد لأشخاص كثر ما زالوا
يساهمون ببراعة في إغلاء الأسعار، وفيه أيضا نقد للمعهد وأساتذته الذين ما يزالون
يرتعون بغير حق في خزينة الدولة!
ثم قلت: "كما لاحظت يا أخي أن الزوايا وطرقها لم تكن أقل حظا من المدارس
مما نالها من سخطك، وأنت من أبنائها.
غير أنه لمن العجب أن تجد المرء، وإن كان يتحرى
الصدق فإنه أحيانا تأخذه الأنفة والعزة لأسلافه فيركب أنفه ويستنكف عن ذكر
الحقيقة، لكن إذا ظهر السبب بطل العجب، ذلك أن ما حكيته من أن الشيخ حليف
للاستعمار افتراء وإخفاء للحقيقة ـ وأنت من يحب الصدق ـ وخلاف لما شاع على ألسنة أولئك الذين عاشوا
الأحداث في أرض الواقع من أن أصل الحكاية أن جدك الأعلى لما نزح من إداوتنان إلى
حاحا اتخذ زاوية له يتزعم فيها مقدم الطريقة الناصرية، فصار يتجول في المداشر
المجاورة بين الفقراء يلقن الأوراد للمريدين إلى أن ظهرت عليه الطريقة الجديدة
"التجانية" بزعامة الشيخ والناس مولعون بالجديد فأقبل الناس على الشيخ
وعانقوا طريقته بالأحضان وخلعوا ولاء الجد ونبذوا طريقته، ربما لبخس ما لديه (بشهادتك
عليه بأن الناس سموه وليا زورا وبهتانا) ونفاسة بضاعة الآخر
والناس أكيس من أن
يمدحوا رجلا**ما لم يروا فيه آثارا من إحسان
فمني الجد بكساد سلعته
وانهزم في عقر داره، فحملها ضغينة وحقدا وعداوة للشيخ وزاويته، ورثها عنه بعض
أبنائه وأحفاده. ولتبرير انهزامه وللنيل من منافسه حكيت حكاية موالاة الخصم
للاستعمار لكنها لم تجد صدى بين الناس لمخالفتها للواقع.
وهكذا تبين يا أخي أن
شهادتك على الشيخ وزاويته ومن والاه شهادة مردودة لتجريحها بعداوة موروثة، وما
حكاه هؤلاء أسلم منطقا وأقرب للصواب مما ذكرت أنت"اهـ
هذا كلامك أوردته بنصه وفصه كما
يقال، ليقرأه القراء ثم يقرأوا ردي عليه بإنصاف ونزاهة ليميزوا الخبيث من الطيب،
وإني لأطلب منهم أن يلعنوا الكاذب منا.
أقول: هذا هو بيت القصيد من كل ما
كتبت، وإني لأحس منه نَفَس صاحب المتعة وأسلوبه وتفكيره، بالمناسبة أعلن شكي في
كون الرسالة من إنشائك، وهذا الشك قائم حتى يثبت العكس، لأن عهدنا بأبناء الزاوية
يتفنون في الأوراد لا في الكتابة!
ويبدو أن ما كتبته عن الشيخ أقض
مضجعك وانفطرت منه كبدك، فأردت الانتقام له، ولكن التوفيق أخطأك، لأن التعصب أعمى
عينيك، فلم تنتبه لما في كلامك من غلط فاحش.
وحكايتك الملفقة لا سند لها ولا
مرجع.
لم أقل: أخبرني أبي أو حدثني عمي
أو سمعت جدي يقول: إن الشيخ حليف للاستعمار، لتقول: هذه حكاية حيكت للنيل من الخصم!
أبشرك أن أعمامي وأخوالي يعتقدون
اعتقادا جازما أن الشيخ ولي!وقد قرأت من قبل رسالة لجدي للأم إلي ـ أنا لم أقل ذلك بل استخرجت
خيانته من ترجمته كما كتبها صاحب المتعة، لأنه كحاطب ليل يجمع ما يضره وما ينفعه
كما استنبطت منها عدم ولايته، أراني مضطرا مرة أخرى لأقول لك: أعد قراءة الكتاب
خاصة ما يتعلق بالشيخ المحبوب.
وزعمت أن ذلك شاع على ألسنة الناس! إذا كان ذلك شائعا فلماذا لم
يذكره مؤرخنا الكبير وهو الحريص على أن يذكر كل ما يعلي شأن شيخك، حقا كان أم
باطلا؟ وقد ذكر أن أبا العباس الجيدي طلق الطريقة الناصرية واعتنق التجانية على يد
شيخك، فلماذا أهمل هذه الحكاية مع أنها شائعة مستفيضة كما ادعيت؟
وقد زرته قبل صدور كتابه بأشهر
فسألني عن أصلي، فأخبرته ثم قال: لا أعرف عن هذه الأسرة كثيرا ولا قليلا، ويمكنك
أن تسأله عن صحة ما قلت، إن لم يكن ملفق هذه الحكاية، وهي أشبه بحكاياته وأخباره،
لأنها لا تثبت للتمحيص والنقد كما سترى.
قلت: "لما نزح من
إداوتنان...." وهذا خطأ، فالذي نزح من هناك وبالضبط من "أسيف إيك" هو
جده علي البطمي نزح إلى "تبوردوت" ب"إداوبوزيا" وفيها ولد
الجد ثم انتقل إلى "أنزاض" ومنه إلى "إداوسحاق" فإلى "بوكرم"
الذي اتخذه زاوية له بعد ما تزوج وأنجب طفلين.
وقد عرفنا أنه ولد سنة 1259 هـ
وهذا يعني أنه نزل "بوكرم" في أواخر الثمانينات إن تزوج باكرا.
أما شيخك فقد تحققنا أنه استوطن
حاحا الشمالية قبل 1277 هـ بشهادة الرسالة التي تلقاها من شيخه الدراركي، راجع كل ذلك
في: الصدق والصراحة ص: 99 ـ 100، وهذا يعني أن شيخك بدأ ينشر الطريقة التجانية في
هذه المنطقة والجد لما يبلغ الحلم أي ما يزال يقطن "تبوردوت"!
والآن ما ذا ترى؟ ألم أضع يدي على
عنقك وضبطتك متلبسا بجريمة الكذب والزور والافتراء؟ هل انقلب أصل الحكاية فصار
فرعا دعيا؟ ألم تعلم أن المؤمن لا يكذب؟ ومن أظلم ممن كذب بالصدق إذ جاءه؟ ألا
لعنة الله على الكاذبين، وما أراك يا ابن الزاوية إلا:
كناطح صخرة يوما ليوهنها**فلم
يضرها وأوهى قرنه الوعل
قلت: "بشهادتك عليه (أي على جدي) بأن
الناس سموه وليا زورا وبهتانا" لماذا صدقت شهادتي على عدم ولاية الجد،
وأنكرت نفس الشهادة على شيخك؟ هل صرت أعور يا ذا العينين؟
اعلم أيها الملفق أن الكذب الذي
ترمي إليه فن له أهله لا يتقنه المرجفون المتغرضون، وبذلك ترى أن حكايتك مريضة
تحمل في طياتها عوامل هدمها وفنائها، فما أشبهك بالجبل الذي تمخض فولد فأرة!
أما قولك: "يتجول في المداشر
المجاورة بين الفقراء يلقن الأوراد للمريدين" فمحض افتراء وكذب، وحديثك موضوع
لعدم عدالتك، وقد تبين آنفا كذبك، والجد لا يتجول في المداشر بل الناس هم الذين
يترددون ويختلفون إليه، وفي مكنة كل من يهمه الأمر أن يتحقق من ذلك بسؤاله
المعمرين الذين أدركوا شطرا من حياته.
هذا وإني لا أنصر إلا الحق الذي
عرفت أنه يعلو ولا يعلى عليه، فلم أرث من الجد ضغنا وحقدا لأنتصر له، ولست من
المفتخرين بالعظام البالية، على أني لا أرى للجد فضلا في الدين ولا في السياسة ولا
في الاقتصاد ولا في العلوم ولا الأدب، فلماذا أفتخر به وأدافع عن حقده ضد شيخك كما
تزعم؟
وما أراه إلا واحدا من أبناء جيله
أعني أنهم أشباه أميين، منحطون متخلفون منحرفون أي غير مهتدين بالمعنى الصحيح
للكلمة، فأنا إذن لا أضعه فوق شيخك ولا أضع شيخك تحته، فهما عندي في صف واحد، إن
امتاز عنه شيخك فبخيانته لدينه ووطنه وأمته وجرأته على الله ورسوله، فادعى أنهما
أعطياه الدنيا بحذافيرها يتصرف فيها تصرفا عاما، وبالوقاحة التي بها يطوف على
الأغمار ليسلبهم مما رزقهم الله!
ملاحظة: وقد صححت له أخطاء لغوية وردت في
رسالته، لا أريد نشرها هنا.
ذلك ورسالتك خير ما يزكي ما وصفت
به المتخرجين في زاوية.... في ذلك الكتاب، وأنت من نجبائهم، وبها أثبتَّ بجدارة
أنهم يحسنون حمل السبح لا الأقلام!
وأخيرا أقول:
إن عادت العقرب عدنا لها *** وكانت
النعل لها حاضرة
عبد الرحمن قريشي
حرر بمسجد بوكرم
19/09/1423
24/11/2002
ثم
أتاني منه رد مضطرب استسلم في آخره، في النصف الأخير من شهر أبريل 2003 وغدا أنشر
ردي عليه.
يتابع.....