-->
مدونة الكتابة والإبداع والنقد مدونة الكتابة والإبداع والنقد

recent

الجديد

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

5 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"

5 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"


ـ 2 ـ

قلت: "وما نقمت من هؤلاء الأئمة والفقهاء الأمناء إلا أنهم يؤدون علمهم عن حفظ وبأمانة كما تلقوه عن أسلافهم وشيوخهم وتعلموه" اهـ

هذا كلام متغرض يبهلك أوله وآخره، والقراء يعرفون دواعيه.

قلت: "ترى إذا لم نسم ما حفظ في الصدور ونقل بالتواتر وبلغ بأمانة علما صحيحا فكيف نسمي إياه ما نسجته أخيلة تمدها إيحاءات شيطانية بأساليب فلسفية مزخرفة متذبذبة المعاني في نظريات تستند إلى أدلة أوهى من نسج العنكبوت تنقض اليوم ما صوبته أمس، اغتر بها الكثيرون قبلك، وشغفوا بها فأغوتهم عن سواء السبيل، تركتهم يعيشون في خيال لا يمت إلى الواقع بصلة وفي تشكك وحيرة وعقبى غير محمودة نعوذ بالله من علم لا ينفع" اهـ

دعنا من العموميات وأوضح ما تعني. ما هي الإيحاءات الشيطانية؟ وما هذه الأخيلة؟ وما الأساليب المزخرفة؟ وما... وما...؟

أجل، ما يدرس في المدارس العتيقة وأساليب التدريس فيها رثٌّ بالٍ، لا خير فيه في هذا العصر.

وأخبرك أني سمعت في المذياع ليلة أعمون مولاي البشير، وهو مفتي الشلوح يفسر الآية الكريمة: (وجمع الشمس والقمر) من سورة القيامة، قال عفا الله عنه: أي يجمعهما الله ويرميهما في البحر!

قلت: عجبا! ما حجم الأرض برها وبحرها بالمقارنة مع الشمس فكيف إذا ضم إليها القمر ليسعهما بحرها!؟ هلا عرف ما توصل إليه علم الفلك بخصوص هذه الآية من: "أن الشمس خلال احتضارها أي عندما تتحول إلى عملاق أحمر سيكبر حجمها مئات المرات وتبتلع جميع أجرام النظام الشمسي، فهل هذا معنى قوله تعالى: (فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر) الله أعلم" اهـ من كتاب: من علم الفلك القرآني للدكتور عدنان شريف ص: 81.

ولكني قرأت فيما بعد رسالة لمفتينا الكبير يحاول فيها أن يستخرج: "صلاة الفاتح لما أغلق" من القرآن الكريم؟؟ فقلت مبتسما: من هنا أوتي المفتي الفاضل!

ودروس التفسير في مدارسنا المريضة حظها من هذه السخافات وافر، والفقه لم يواكب العصر فيما استجد من أحداث، وما زال الطلبة يستنفدون قواهم العقلية في أحكام الرق الذي ذهب به الحمار كما ذهب بأم عمرو لا رده الله.

على أني أسألك كما سألت صاحب المتعة من قبل: لماذا لم تلحق واحدا فقط من أبنائك الكثر بإحدى هذه المدارس تعبيرا عن حسن ظنك بها كي يغترف من علم حفظ في الصدور، ونقل بالتواتر، وبلغ بأمانة بدل أن تغرهم بهذه الأخيلة التي تمدها إيحاءات شيطانية إلخ ما سردت؟ أغيرة وجبنا؟ أحشفاً وسوءكيْلة؟

أما استعاذتك بالله من علم لا ينفع فلا حاجة لتذكيرك بما حدثت به يوما من هواجس شيطانية تساورك حين تنقبض أيدي من يختلفون إليك في المحكمة لأمورهم الشرعية والقانونية! وذو الوجهين لا يكون عند الله وجيها، فاتق ربك.

أما ما زعمت من أنني: "شنعت على حفظة القرآن المصطفين من عباد الله أفظع تشنيع، وسميت تلاوة القرآن ضجيجا وصراخا" اهـ فإني أذكرك أن تعيد قراءة الكتاب مرة ثالثة فستجد رأيي الصريح في ص: 164.

وواجب عليك أن تكون أمينا في النقل، فأنا لم أطلق الكلام كما نقلته بل قيدته والله لا يحب من كان خوانا أثيما، وقد تعلم أن أغلبهم يصح فيهم الحديث الشريف: "حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من خير قول خير البرية" تجده في البخاري.

أستطيع أن أضعك في مقدمة هؤلاء.

قلت: "نعم وإذا كان صاحب المتعة ينظر بعين الرضا والتفاؤل وبالغ في الإطراء كما تدعي، وقد وجدت له عذرا فإنك يا صاحب الصدق ترى بالعين الأخرى وجاوزت المدى في الهدم والذم ولم أجد لك مبررا وكلا الطرفين مذموم" اهـ

هنا ظهر تعصبك واضحا، رأيت أن صاحب المتعة معذور في مدحه المفرط وتملقه المقيت، ولم تجد لي مبررا لأني لا أرى إلا ما يعمل هو جاهدا لإخفائه. وكان لزاما عليك أن تبسط لنا العذر الذي تراه لصاحب المتعة، وتسوغ عدم تسويغك ما كتبته أنا إن كنت صادقا فيما تخربش، ولكن دون ذلك خرط القتاد، ولم أدع أنه بالغ في الإطراء، بل أثبتُّ ذلك بأدلة يستحيل نفيها.

وما دمت ترى أن كلا الطرفين مذموم فقد تحتم أن نرى في السنوات الماضية ورودا فواحة لصاحب المتعة والراحة، أم وافق شن طبقه؟

قلت: صاحب المتعة يرى بعين الرضا معذورا، وصاحب الصدق يرى بعين السخط غير معذور، وهذا يعني أنك ترى بالثنتين معا، فكيف توفق بين ما يراه وما أراه في شيخ الزاوية... يا ذا العينين؟

يراه وليا صالحا فقيها ربانيا، وأراه داهية ماكرا شريطا حيا، فكيف تراه أنت بعينيك الثنتين؟ أتراه وليا صالحا ربانيا فقيها، داهية ماكرا شريطا حيا؟ إن ذلك مستحيل! فلم يبق إلا أن يكون أحد رجلين، وما دامت عين الرضا تنقصها الأدلة، وعين السخط مدعومة ببراهين لا يرقى إليها الشك فليس لك إلا أن تلقي إلى الحق السلم، فما ذا بعد الحق إلا الضلال.

قلت: "ومن العار الفظيع أن تنعت هذه المدارس بتلك الصفات الذميمة وتتنكر لفضلها، وأنت من تربى في أحضانها ولكن قد ينبت الحقل ما لم يزرع فيه" اهـ

إنها أهل لكل ذم، لأنها لم تعد تؤدي رسالتها العتيدة، راجع "سوس العالمة" لتعلم الفنون التي تدرس فيها فيما مضى بإتقان ثم زرها الآن واحضر دروسها لترى المهازل كيف تمثل تمثيلا على نحو يثير الاشمئزاز والنفور، ثم تريد أن نصفق لها ونزغرد ونحمد الله سرا وعلانية أن هدانا لهذا. والمختار نفسه ذمها ذما صارخا، وجعل الفقيه بمثابة الناطور يحرس السقوف والجدران أن تسقط! كان هذا قبل أربعين سنة فكيف حالها الآن علما أنها تتقهقر الفيسحى؟

وأما قولك: "أليست هذه المدارس هي التي أخذت المشعل وأنارت الطريق منذ عصور طويلة، فكم بددت من ظلمات الجهل وقاومت فأسدت خدمات جليلة للأمة في هداية أبنائها إلى معالم الرشد وفتحت أعينهم على مصادر النور ولا ينكر دورها إلا جاحد أو حاقد متعصب، لا يلتفت إليه، قد تنكر العين ضوء الشمس من رمد" اهـ فهو شرح منداح لقولي في ص: 53: "وقد كان لمثيلاتها في سوس ماض مجيد وسوق رائجة في عهد ولى" فأنا لم أنكر أداءها في الماضي، أذكرك مرة أخرى أن تعيد قراءة الكتاب يا ذا العينين.

أما مدارس حاحا فلا أرى أنها بلغت مستوى مدارس سوس، وسبب ذلك فقر هذا الصقع وجدبه، إن حاحا ليست غنية ولا عالمة، لذلك يهجرها أبناؤها إلى مدارس سوس. ومدرسة الزاوية.... التي أردتم أن تفتخروا بها لم يتجل دورها إلا في توزيع السبح والملح والتمائم والضلال المبين!

قلت: "وإن كنت أنعيت (كذا والصواب: نعيت) عليها يا أخي أنها لم تساير تطورات العصر، فليست وحدها التي بقيت على أصالتها، لم تلتحق بعد بركب الحضارة فكل ما حولها وما حولك في المنطقة كذلك. ألا ترى أن الفلاحين لا زالوا يتوارثون المحراث الخشبي أبا عن جد، أو ما زال أغلب العائلات تتحلق على ضوء شمعة تستنير به، أو ما فتئت المطافئ هي المصدر الوحيد لماء الشرب والغسل لأغلب أسر المنطقة، أو ما انفكت الدابة أفضل وسيلة للنقل... إلخ فهي أيضا بنت بيئتها ستبقى طبعا كذلك" اهـ

هذا عذر أقبح من ذنب كما يقال، وقد شككتني بهذا الكلام السخيف في سلامة عقلك، ولكن لا غرو فقد اعترفت في آخر رسالتك بأنك مهووس خرف!

واجب على طلبة العتيقة أن يعتكفوا على كتب ميتة، ويكبوا على دراسات نظرية في الرق والحيض... ويدوروا في دوائر مغلقة من الأوهام والأباطيل، ويفكوا ألغاز المتون والحواشي لأن المحراث الخشبي ما زال... ولأن المطافي ما انفكت... ولأن الدابة ما فتئت.... ما هذا؟ فكر إنساني أو بقري؟  أليس هذا إزراء بهم؟  ولم لا تنصح لهم أيها الغيور، باستعمال الحمير والبغال والجمال في تنقلاتهم بدل السيارات والحافلات لتستكمل المهزلة فصولها؟

أليس في مكنتهم أن يغيروا مناهجهم في الدراسة، فيحذفوا ما هم في غنى عنه، ويضيفوا ما الحاجة إليه ماسة، ويعرضوا قليلا عن التقعر في النحو واللغة، ويضربوا بمختصر خليل عرض الحائط، ويحلوا مكانه فقها ميسرا غنيا بدل هذه الألغاز والطلاسم؟ إن لم يستطيعوا أن يفعلوا فلينفضوا أو بلغتهم المفضلة فليفرنقعوا، وليعلموا أن المجتمع في غنى عن علمهم.

ومن هذه المدارس ما وصلها بعض مظاهر الحضارة والخدمات كالكهرباء والماء والغذاء الجيد، فلماذا بقيت الدراسة فيها على وضعها المزري؟ ولكن الأمر كما ذكرنا في مكان آخر: تولى أمرها فقهاء غير أكفاءبعضهم ينافس قارون في ثروته، وبعضهم تعلق بأذيال الصوفية الهازلين، يتخنث في حديثه، ويتثاقل في مشيته كهريرة الأعشى معتقدا أن هذا هو الدين الحنيف!

أما ألمك وفزعك مما آلت إليه فيذكر بألم وفزع صاحب المتعة، فهل زرته؟ إنهما مزيفان، ولا يهمك من كل ذلك إلا ما يتعلق بشيخ الزاوية....فمن أجله ركبت مغامرة الكتابة إلي!

أما ما تحمد الله عليه سخرا من أنه قيض لهذه المنطقة ومدارسها من يأخذ بالمبادرة....     يتابع

عن الكاتب

قريشي عبد الرحمن

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

إحصاءات المدونة

زوار المدونة

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الكتابة والإبداع والنقد

2019