4 ـ شؤون وشجون "الصدق
والصراحة"
هذا أوان إنجاز ما وعدت من نشر رد على صديق لعائلتي، وهو
كما يقال، من تلامذة زاوية.... النجباء، انتقدتها فأخذته العزة بالإثم فارتكس في
مغامرة ندم في آخرها، وذلك أنه كتب إلي رسالة سماها: "باقة ورود فواحة إلى مؤلف الصدق والصراحة" فكتبت ردا ضافي الذيل، سميته: "النيران اللواحة للورود الفواحة".
ـ 1 ـ
توقعت أن يثير الكتاب سخطا عريضا، وغيظا متقدا، وحسدا أسود
لما يحتوي من فكر جريء، ونقد صريح، وصدق مر، وأن يضيق به أناس استمرأت أفواههم
وألفت أسماعهم الكذب والملق، فانقلبت موازينهم، وزاغت أبصارهم، وأدبرت بهم
الأهواء، فوجدوا المتعة والراحة في الإفك والبهتان.
ولما جاءهم كتاب صدقهم الحديث وصرح ما هنالك نكصوا على
أعقابهم مستكبرين، وتقولوا عليه الأقاويل ملعونين.
فمن زاعم أن الكتاب ليس لي، بل هو من تأليف فلان وفلان! فلماذا عزواه إلي ولم يتشرفا به؟ لست ذا مال فأتهم بالرشوة والاقتناء،
ولست مشهورا فيتوقع له الذيوع والانتشار بالانتماء إلي؟
ومن جاهل غليظ الجهل كجثته يزعم
أنه مشحون بالأخطاء النحوية! ولما تحداه من تحداه أن يذكرها قال ببلاهة وصفاقة: ولكن ثمنه غال! ويلك أيها البطين، أريك السهى وتريني
القمر!
ومن متعصب يقول: ما دام الكتاب (المتعة والراحة) يشيد
بقطرنا ويرفع علمه فانصره صادقا أو كاذبا! على رسلك أيها
الغاوي! من أدبك هذا الأدب؟ ومن زين لك هذا العمل؟ الدين ينكر ذلك،
والضمير الشريف ينفر منه، والتاريخ يقتضي منا الصدق والنزاهة، فإن أجازه ضميرك
وأباحه دينك فأنت وذاك، ولكن ليس لك علي من سلطان، فإليك عني ولا تلوثني.
ومن مفتون بشيخ زاوية.... وأولاده أضاع زهرة شبابه في خدمة
ضيوفهم، ويضيع الآن كهولته في الذب عنهم والتسبيح بحمدهم، فما طرق سمعه صدور كتاب
حمل على سحب الأضاليل المشحون بها الجو فبددها، وأزاح الستار عن الحقيقة فجلاها
على عشاقها حتى هب كالكلب العقور يعض ويشتم، ويهدر ويزمجر، مهلا أيها الأمي! تهديدك أهون من
النباح على السحاب!
ومن متغرض هدفه إثارة الفتنة، فحاول بكل ما أوتي من خبث أن
يؤز الطلبة أزا! ولكنه نفخ في غير ضرم فانقطع مذموما مخذولا.
ومن أحمق يرى أن عيب الكتاب يكمن في نقد شيخه المبجل فقط،
لأنه علم الأعلام في هذا الصقع، ربي كبير يبيت الليل ساجدا وقائما! وصاحب المتعة بخسه حقه على ما مدحه به، لأنه تلميذ عاق، أحاطت به
لعنة الربي، فما يستطيع منها فكاكا! كلا أيها الأخوت!
والطريف أن جدي الأمي بمعنييه، وهو من المفتونين بشيخ زاوية.... أرسل إلي: أيها
الحفيد لا تخبط خبط عشواء فيما هنالك! رب اغفر لجدي إنه كان من الضالين!
ثم أتتني رسالة من أحد أبناء الزاوية بعنوان: "باقة ورود فواحة إلى مؤلف الصدق والصراحة" ولما قرأتها تذكرت قول ابن
الرومي:
عذرنا النخل في
إبداء شوك***يذود به الأنامل عن جناه
فما للعــوسج الملــعون
يــبدي***لنا شــوكا بــلا ثــمر نــــراه
أتحسبني مزكوما فبعثت إلي بورودك
المزورة؟ أم غرك ما لفقت فخلتها متأرجة؟ إنها ورود اصطناعية تخدع من يراها عن بعد،
أما من يمعن النظر فيها، يتحسسها ويتشممها فإنه يدرك أن صاحبها إما جاهل لا يميز
الخبيث من الطيب، وإما حقود يطين عين الشمس، وإما متعصب أحمق لا دواء له! لا بل كل أولئك
تقمصه وتلحف به! كلا يا رجل!ليس هذا بعشك فادرجي!
بدأت رسالتك بمدح مسموم تخدعني به عما يتأجج بين ضلوعك
وتستر به تغرضك في ورودك مُسِرّاً الحسو في الارتغاء! إنها حيلة لا
تنطلي إلا على السذج، طالما تخفى صاحب المتعة وراء مثيلاتها، ولكنها لم تنجه من
سهام النقد.
وأبادر إلى القول: إني لا أنتظر يا أخا الورود من أبناء
الزاوية خاصة، الإنصاف والرضوخ للحق لأن العمى آثر عندهم من الهدى، والدنيا أطيب
من الآخرة، يأكلون أموال الناس بالباطل، ولهم في شيخهم أسوة سيئة! وأنت تعرف هذا
حق المعرفة لأنك ابنها البار. وما كتبت أو بعبارة أدق ما زورت ما زورت إلا منافحة
عنها وعن شيخها، ولكني بتوفيق من الله سأنقض كل ما كتبت عروة عروة حتى أدعك أعرى
من الإبرة، لتعلم أنه إذا أراد الله هلاك نملة أنبت لها جناحين، وليعلم القراء أنك
حقا كما وصمت نفسك: "لست في العير ولا في النفير،
مهووس خرف، فضولي، محتاج إلى علاج من طبيب نفساني" اهـ .
أردت أن تشركني في أدوائك النفسية،
كلا يا ابن الزاوية! أنا والحمد لله سليم معافى، أتمتع بكامل قواي العقلية والنفسية،
وسأريك مصداق ذلك فارتقب. ولماذا لم تشرك معنا صاحب المتعة الذي هو سبب ما يجري
بيننا؟ ألأنه دغدغ غرورك؟
زعمت أني مبالغ متعصب مفرط في التعصب!؟
أسألك: أين مظاهر المبالغة المزعومة والتعصب المفرط؟ يجب أن
تضع عليها أصبعك وتعلنها للناس كي يصدقوك، والكتاب مطبوع منشور، فهو في متناول كل
قارئ، فدلهم عليها إن كنت صادقا!؟
لمن تعصبت؟
ألجدي الأعلى الذي اعتقد الناس أنه ولي، ويغشون زاويته
معظمين؟ ألم أقل لهم: كذبتم على الرجل وبهتتموه، ووصفتهم بالبله؟
أم للطريقة الناصرية التي اعتنقها؟ ألم تقرأ ما كتبته عن
هذه الطريقة المنحرفة في ص: 175 ـ 176؟
أم لما ذكرت أنت من انهزام الجد أمام شيخك؟ وستعلم حين يأتي
دور تلك الفقرة المفتراة أنها كذبة خرقاء تلعنك آخر الدهر.
وقد زعمت أنك قرأت الكتاب مرتين: أولاهما من حيث الشكل، فبانت لك محاسنه، والثانية للتأمل فلاحظت أنه غير وجيه يشف عن مزاج مختل!
يا ليتك، أخا الورود، لم تعد قراءته للتأمل، لأن تأملك أبله مغرض ينم عن حسد خبيث وقصد نتن، وأرجو أن تقرأه ثالثة لإعادة النظر في التأمل لعلك توفق.
ألا ما أصدق فيك المثل القائل: رمتني بدائها وانسلت!
قلت: "لاحظت أن هذا
المنحى الذي سلكته في كتابك غير وجيه يشف عن مزاج مختل سقيم يتنافى والذوق السليم،
ذلك أنك قدمت كتابك إلى قراء هذه المنطقة منطقة حاحا بالخصوص ولم يهم غيرهم،
وأغلبهم كما علمت من تلامذة المدارس العتيقة، وقد هاجمت عليها وعليهم (كذا)
في نقدك هجوما عنيفا ووصفتها وإياهم بأبشع أوصاف
تشمئز منها النفوس: الببغاوات " اهـ
ترى ما صفات المزاج الصحيح؟ وما مقومات الذوق السليم؟ ومن يمثلهما خير تمثيل؟ لعله
صاحب المتعة! أقرأت ما كتبه المشارقة والمغاربة عن الذوق السليم وأصول النقد
الأدبي فاتضح لك أنني شاذ عنهم؟ أم كلامك أملاه الحسد والتعصب؟ ترى لو لم أكتب عن
الزاوية وأربابها أتكلف نفسك عناء هذه الرسالة المغرضة؟ قال بعض المتعصبين
الأغرار: إن الكتاب كله على نهج سليم إلا ما كتبته عن شيخي المبجل!
صدقني يا هذا، إن الذين يشتغلون بالأوراد بالعشي والإبكار،
ويقرأون فيما بين ذلك دلائل الخيرات يقال لهم: أَطْْرِق كرا إن النعامة في القرى!
قلت آنفا: "أعجبني ما ورد
في الكتاب من أسلوب قويم، سلس العبارة، متين اللغة، أمده الحفظ، وصقلته الممارسة،
ينم عن ثقافة أدبية راسخة، واطلاع واسع على دواوين أرباب الأقلام".
أيصدر ذلك عن مزاج مختل سقيم،
ويتنافى والذوق السليم أم العكس هو الصحيح؟ وهل يستقيم الظل والعود أعوج؟
انظر كيف تأفك يا فهيم؟ والحق أنك
شرعت في تلاوة الكتاب خالي الذهن فأرغمك على الاعتراف به والتنويه بصاحبه، ولما
وصلت إلى ما كتبته عن الزاوية وأصنامها أخذتك العزة بالإثم وقلت بتعصب مقيت: أولئك
أشياخي! فاختلط لديك الخاثر بالزبادي.
قلت: "قدمت كتابك هذا إلى
قراء المنطقة ـ منطقة حاحا بالخصوص ـ ولم يهم غيرهم" قصدك بهذا التورك على قيمة الكتاب
أي أن أفقه محدود، كذبت، إن فيه معلومات قيمة صحيحة عن هذه المنطقة تهم المشتغلين
بالتاريخ وعن المدارس العتيقة في سوس وعن معهد محمد الخامس في تارودانت، وهو في
نفس الوقت يدور مع المتعة في فلك واحد، وبما أن المتعة يتحدث عن تاريخ إقليم من
أقاليم المغرب فإنه يهم المغاربة كلهم بل العالم الإسلامي أجمع، ألسنا نقتني الكتب التي
تتحدث عن علماء باكستان مثلا؟ فهذا هذا.
أما ما ذكرت من أن مزاجي مختل سقيم
لأني هاجمت المدارس العتيقة وتلامذتها هجوما عنيفا في كتاب لا يهم غيرهم فيكفي أن
تعرف وأنت حافظ لكتاب الله أن القرآن الكريم بذلك عالج أمور المشركين والكافرين
والمنافقين، فهل تساهل معهم مع أنه لا يريد لهم إلا الخير؟ ولنا فيه أسوة حسنة، أليس
الطبيب يجرع المريض دواء مرا لأن عافيته يتوخى؟ فلنقتد به! ثم أسألك: هل
أصدر صاحب المتعة طبعة ثانية أو ثالثة لأن المنحى الذي سلكه في كتابته يشف عن مزاج
صحيح وذوق سليم؟ ألم تعرف أن الطبعة الأولى الصادرة قبل ست سنوات ما زالت مكدسة في
داره وفي المكتبات؟ على أنك عرفت آنفا أنه يهم أيضا غير الببغاوات.
ولا يفوتني هنا أن أخبرك أن المثنين عليه من تلامذة العتيقة
أربى بكثير من المنتقدين. وأما أهل هذه المنطقة خاصة الذين تتمنى ـ والتمني طلب
المستحيل ـ أن لا يتخطاها فلم يصلني منهم نقد له إلا من طرف أميين أو أشباههم
أصحابك المفتونين بشيخك، فقلت لهم ساخرا: قد ضل من كانت العميان تهديه! فانظر مع من
تقرن نفسك.
قلت: وما نقمت من هؤلاء الأئمة والفقهاء.....
تابع.....
السلام عليكم. من فضلكم سيدي كيف نحصل على الكتاب
ردحذف