3 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"
هذا جواب الأستاذ الدكتور على الرسالة السابقة:
بسم الله الرحمن الرحيم 20/06/2002
إلى الأخ الأديب عبد الرحمن قريشي
تحية صيفية حارة وبعد:
توصلت برسالتك منذ أسبوعين، ولولا الانشغال الكلي بامتحانات
البكالوريا لكتبت لك على الفور، فمعذرة.
جاء في رسالتك أن فئة من العرقوبيين الذين وعدوا بالمساهمة
المادية في طبع كتابك قد أخلفوا. وربما استغربت منهم هذا السلوك! والواقع أن الوعود في هذا
المجال لا تنجز في الغالب لطغيان الفكر التجاري على تصرفات الميسورين. وتاريخ
الحضارة الإنسانية يحكي عن الصعوبات الجمة التي اعترضت تداول ونشر الأعمال العلمية
الجيدة. وأنت تعلم أنا لسنا في البلاد التي تنتهي فيها مهمة الكاتب بإنتاج النص
لتبدأ مهمة الناشر والموزع والقارئ والناقد، ويصعب عندنا أن تجد ناشرا ولا موزعا
ولا قارئا ولا ناقدا والملك لله.
على أن هذا لا ينبغي أن يفت في عضدك
أو يضعف حماسك أو ينال في إرادتك وطموحك، فواصل العمل وتحمل رعونة آل عرقوب، واكتب
ما تراه صحيحا وتوقع كل شيء في سبيل نشر الفكر السليم والثقافة النقدية المعارضة
والمحطمة للأصنام القائمة.
وأشكرك على الموضوع القيم الذي
تناولت فيه قضية الحداثة وإشكالية الدلالة والمعنى في النصوص الشعرية الحداثية.
وأكبر فيك سعة اطلاعك حتى على دواوين ودراسات الأفارقة!!
حفظك الله ورعاك والسلام
ذ: عمر لشكر
وهذه رسالة أخرى أرسلتها إلى الأستاذ
بعد حادثة مؤلمة وقعت لي في آخر شهر 10/ 2002.
بسم الله الرحمن الرحيم 03/11/2002
من قريشي
إلى الأستاذ الجليل عمر لشكر
تحية مضمخة بعبير الاحترام
وبعد: هل أتاك حديث المأساة أو
المهزلة؟ إذ صرت ضحية قدر ساخر قاس، وشؤم خبيث يترصدني في كل خطوة أخطوها ويتربص
بي الدوائر !
ظننت الزمان في غفلة عني فانتهزتها
فرصة ثمينة لمتابعة الدراسة بعد حصولي على الشهادة التي أدمت قلبي من قبل.
طرت بها إلى فاس كما فعل غيري، لأن
الامتحان في تلك المدينة سهل للغاية. وفي طريقي إليها عرجت على الصويرة، فوزعت
فيها ثلاثين نسخة من كتابي، وبحثت عن ملف الباك فلم أجده فقلت: لا بأس! سأجده في عاصمة العلم!
ولما حللتها بحثت عنه كثيرا فتبين
أنه رابع المستحيلات، فقلت بسخرية: أول الغيث قطرة !
ولكن رحمة الله وسعت كل شيء، فهل
أحرمها أنا؟ معاذ الله! انظر كيف غصت في لجج هذه الرحمة الواسعة! قالت زوجة مضيفي: هذا الملف موجود عند أخ لي بإنزكان، اشتراه لنفس
ما أقدمت عليه قبل سنوات، إلا أنه اتخذ حانوتا لبيع الذهب، فأعرض عن البكالوريا،
ولكنه احتفظ بالملف، فتلوت بنبرة لا تخلو من سخرية الآية الكريمة: (ومن يقنط من
رحمة ربه إلا الضالون).
اتصلت بالأخ في إنزكان مرتين: مرة
في الحانوت للسؤال عن الملف، ومرة ثانية في الدار لأتأكد من وجود الملف، ومتى يبعث
به؟ وذلك بعشرين درهما! ثم بعث به مع ستيام بخمسة وثلاثين درهما، وفي اليوم الموالي ذهبت
إلى وكالة ستيام لتسلمه على متن طاكسي، لأن الطريق إليها طويل كشقائي! وذلك بسبعة وعشرين درهما ذهابا
وإيابا! ومجموع هذه الدراهم اثنان وثمانون درهما. ملف يقتنيه التلاميذ
بدرهمين فقط حصلت عليه أنا باثنين وثمانين درهما! ! لماذا؟
ولكن خفف من وقعها الأليم أن مضيفي
الكريم تولى دفعها، وهذه المشكلة تخطيتها بصعوبة. فبرزت مشكلة أخرى وهي شهادة
السكنى، إذ لا بد منها وهي هينة سهلة، ولكن بالنسبة لغيري! أما أنا فحظي التعس لا يتخلى عني! وذاك أنه في اليوم الذي حاولت الحصول فيه على تلك الشهادة حكم على
شيخ (أمغار) بالسجن مدة ثلاث سنوات لمنحه شهادة السكن شخصا غريبا عن فاس! فكل شيخ استمنحته هذه الشهادة يرفض لأنه خائف على
مستقبله. وبذلك أصبحت الشهادة خامس المستحيلات! ترى لماذا لم يقع ذلك في السنة الماضية؟ أو لماذا لم يتأجل إلى
السنة المقبلة؟ سؤال أطرحه عليك.
ثم إن مهنتي في بطاقتي الوطنية:
"فقيه" والفقيه السوسي لا يختلف إلى الشمال إلا لمزاولة أمرين: الشعوذة
والتنقيب عن الكنوز!
وهذا يمثل عقبة أمامي، فكل من رأى
من الأشياخ أني فقيه سوسي أطلب شهادة السكن يهز رأسه شكا واستفهاما!
وهذا من سخرية القدر المريرة، لأني
لست من "الفقهاء" في قبيل ولا دبير! ولكنه الشؤم الملعون والحظ المنحوس.
ومما زاد الطين بلة أن الشرطة
اعتقلت فقيهين في تلك الأيام، ذلك أنهما ذهبا إلى دوار لنبش كنز فطردا منه، ثم
عادا إليه وقد ارتديا ملابس الدرك الملكي، ولسوء حظهما كان يسكن في ذلك الدوار
شرطي متقاعد، ذهب إليهما وفي حديثه معهما اكتشف أنهما "مزوران" فتركهما
ثم اتصل بالشرطة لاعتقالهما.
حدثني بهذا صديق لي مشعوذ يأكل
أموال الناس بالباطل، التقيته هناك.
وهكذا سد جامع القرويين في وجهي بابه
الذي فتحه على مصراعيه لزملاء لي في مدرسة "إداومنو" طوال عشر سنوات!
وقد بلغ بي الحنق والغيظ إلى حد أن
قلت بكل سفاهة وضلالة: "ألا تنزه نفسك، يا الله، عن هذا العبث!؟ ما هذه القسوة؟ وما هذه
السخرية؟ ما ضرك لو حذفت اسمي من القائمة السوداء!؟".
غفرانك اللهم! لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين.
انطلقت إلى تطوان لزيارة صديقي
وتلميذك أمليل محمد من جهة، وللبحث عن بغيتي من جهة أخرى. ولكن حظي كقهوة سمر لا يتغير! فعدت إلى أكادير للتسجيل في
تزنيت.
وقد أنفقت في تلك الرحلة خمسمائة
درهم، إن جنيت منها شيئا فزيارتي تينك المدينتين، أما فاس فمدينة القمامة، رديئة،
وأهلها قباح الوجوه ذكرانا وإناثا! فما أشبهه بالصويرة! وأما تطوان فمدينة الجمال تذكر
بتارودانت وتزنيت أعني أنها مغدى ومراح للغزلان. معذرة إن لوثت محرابك! إني من عشاق الجمال الحسي
والمعنوي إلى حد العبادة!
إني امرؤ مولع بالحسن أتبعه***لا
حظ لي فيه إلا لذة النظر
قلت: عدت إلى أكادير، ولكن القدر
القاسي لم يشف غليله مني بعد. لذلك اقتص أثري فضربني ضربة موجعة، ذلك أنا لما
وصلنا المدينة الملعونة في الساعة الثالثة صباحا نادى المنادي: هل من نازلين في
مراكش؟ الحافلة لن تدخل المحطة، فانتبه الناس أشباه مذعورين، واحتج بعضهم واستنكر
عدم دخولها المحطة، فحثهم على النزول بسرعة لأن الحافلة ستنطلق.
وكان أحدهم قد استيقظ من نومه
العميق مدوخا فبانت له حقيبتي التي تشبه حقيبته إلى حد ما، فأخذها وترك حقيبته! ولم أتفطن لهذا إلا بعد ما
تركنا مراكش وراءنا بأزيد من مائة وخمسين كيلو مترا!
وهكذا ذهبت الشهادة وأربعة عقود
الازدياد ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية وثلاثة أظرفة متنبرة وجريدتان فرنسية
وعربية ومجلة العربي وكتاب الصدق والصراحة وملابسي، وقسيمتان للكتب الموزعة في
الصويرة! ! وقيمة ذلك عشرون ألف ريال! أضف هذا المبلغ إلى ثلاثين ألف ريال ثمن الرحلة يتبين
لك إلى أي حد أنا مجدود محظوظ، مع أني مثقل بالدين كما تعرف!
ترى هل أكون موفقا فيرسل إلي
اللعين المدوخ حقيبتي الموجود فيها عنواني؟ ذلك ما لا أنتظره!
أسأل: أذاك لجريرة ارتكبتها؟ وقد
عرفت من غرق حتى الآذان في الفسق والفجور وكل ما يرضي الشيطان، ويغضب الله، وأموره
على أحسن ما يرام؟ أم هي لعنة موروثة؟ ولكن لا تزر وازرة وزر أخرى، أم البلاء موكل
بالمؤمن؟ لا أراني أهلا لهذه الدرجة، أم هي حظوظ عمياء؟ كما قال المتنبي:
هو الحظ حتى تفضل العين
أختها***وحتى يكون اليوم لليوم سيدا
أيا كان الأمر فقد تلقيت هذه الفاجعة بدم بارد
بحيث لم تحرك في ساكنا، كأني معها على موعد!
تلك قصة مؤلمة لم أحدث بها غيرك،
فاكتمها عني ولا تشمت بي الأعداء!
عدت وأنا أعزي نفسي تاليا: (وعسى
أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا
تعلمون).
هذه رسالة كتبتها وراء أغنام
ابتليت برعيها، ترى متى يهجم عليها ذئب فيفجعني فيها!؟
أخيرا أسألك كيف الحال هناك؟ وهل
سكتت الضجة؟ وما الجديد؟ وهل سلمت من شر المجرمين؟ حفظك الله ورعاك والسلام عليك
من:
عبد الرحمن قريشي
وهذا جواب الدكتور عن الرسالة
المحزنة:
بسم الله الرحمن الرحيم
12 رمضان المعظم 1423 هـ 19/ نونبر 2002 م
إلى الأخ العزيز عبد الرحمن قريشي
تحية رمضانية مباركة طيبة وبعد:
توصلت برسالتك في غضون هذا
الأسبوع، وتأسفت كثيرا لما جاء فيها من أخبار محبطة فيما يتعلق بمشكل المشاركة في
البكالوريا كمرشح حر، على أنني استغربت سكوتك عن الرغبة في المشاركة أثناء زيارتك
لي في المرة الأخيرة لنرى ما يمكن فعله دون السفر إلى فاس ولا إلى تطوان، ولا
التيه في سراديب القانون وطبائع البشر. غير أن الإرادة الملحة في المشاركة والرغبة
في تجاوز هذا المشكل مهما كلفك من ثمن من المحفزات على الاستمرار في تجديد
المحاولات حتى النصر. فقد عرفت أشخاصا ترشحوا لها بملفات من نار وعرق، وعرفت آخرين
حصلوا عليها بعد أن تجاوزت مشاركاتهم عشرين مرة. فما عليك إلا أن تعيد ترتيب
الأوراق ودراسة المشكل من جميع جوانبه القانونية والتربوية والإدارية والمادية.
وإياك أن تؤسس قراراتك على انفعال طارئ أو استشارة مرسلة. والمطلوب هو الاطلاع
الشخصي على المذكرات المنظمة، وعلى الشروط الجديدة، وعلى كل المعطيات المرتبطة
بالمشاركة الحرة.
أما عن أخبار الضجة المفتعلة في
شأن ما جاء في كتابك من "تجريح" لبعض الأساتذة، فأخبرك أنها لم تسكن
بعد. وقد عاداني كثير من الناس باعتباري "المحرض" على تأليفه والدافع
إلى "تجريح" من "جرح". وذهبت المعاداة بالبعض إلى حد التآمر
لتسجيل دعوى قضائية ضدي، مع أني حاولت إقناع القوم بأن التكلم في الأساتذة بما لا
يرضي ظاهرة قديمة، عرفتها كل الحضارات، وأدليت بأمثلة معبرة في الثقافات اليونانية
واللاتينية والإسلامية والغربية الحديثة. إضافة إلى أن شخصية الأستاذ يمكن
اعتبارها شخصية عمومية معرضة للتقييم الدائم والتقويم المستمر. وكل هذا لم يفد كما
لم يفد أنني أخبرتهم بعدم الاطلاع على السيرة الذاتية للكاتب.
والواقع أن الناس ألفوا المجاملة
والمدح الكاذب حتى صار نقدهم من جرائم الدهر التي لا تغتفر. وقد أشار إلى هذه
الحقيقة المفكر العربي القديم أبو حيان التوحيدي في إمتاعه.
حفظك الله ورعاك ووفقك والسلام عليكم.
حاشية: ليت ابن لادن نفذ غزوته المتهورة
في: 91 ليعجل لنا النظام الجديد للتعليم العتيق! إذن لأنقذني من هذه المعاناة
والشقاء!
تابع.....