-->
مدونة الكتابة والإبداع والنقد مدونة الكتابة والإبداع والنقد

recent

الجديد

recent
recent
جاري التحميل ...
recent

10 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"


10 ـ شؤون وشجون "الصدق والصراحة"



المحاكمة

ـ 3 ـ

وبعد سنة من صدور الحكم الابتدائي صدر الحكم الاستئنافي وذلك في: 5 صفر الخير 1425 هـ 26 مارس 2004 م مؤيدا للحكم السابق، فقال لي المحامي: من سوء حظك أن رئيس المحكمة تجاني وخريج المعهد وبلديُّ المطالب بالحق المدني!

فعرفت أن المحاكمة انتقامية وسياسية لا قانونية وشرعية.

رفعت الحكم إلى محكمة النقض، فبقي في دهاليزها حتى نسيته.

ومن طريف ما حدثني به "فقيه" أنه كان ينازع أناسا في شجرة لوز، فمرت القضية في هذه المراحل: الابتدائي فالاستئنافي ثم النقض، ولم يصدر حكم النقض إلا بعد عشر سنوات لصالح الفقيه، ولكن بعد موت الشجرة!

وبالمناسبة ذكر لي المحامي أن أكثر القضاة أدوات تنفذ ما يملى، وأن منهم من ينقض ما أبرم إذا وجد من يدفع أكثر، ولعله ذكر لي أنه ترك القضاء لذلك، وقال لي: "لا أعرف قاضيا مات ميتة حسنة!" لم أعد أتذكر أهذا الحكم عام أم قال: "قاضيا متصفا بما تقدم".

ومن طريف إحسانه إلي أنه علمني أذكارا، وقال لي: داوم على هذه الأذكار، فإن الله سيغير ما بك!

وقد فعلت فلم يمر أقل من سنة حتى ساق لي الله الخير الذي ألمعت إليه في بداية هذه الشجون.

وذلك أن الشيخ محمد زحل كان يبحث عن أستاذ للغة العربية لشغل منصب في معهد بناه صديق له في بوسكورة، وأراد افتتاحه، فكلف الشيخ فقيها من معارفي بالبحث عن هذا الأستاذ، ولكن الفقيه أخفى عني هذا الخبر لحساسية بيني وبينه بسبب الصدق والصراحة.

وبعد فوات الأوان أخبرني صديق للفقيه، فطرت إلى البيضاء مع شخص يقطنها ويعرف أين تقع مكتبة زحل التي يمكنني لقاؤه فيها.

وصلنا إلى المكتبة في التاسعة والنصف أو لواذها، ومن عادة الشيخ أنه لا يأتي إلا في الحادية عشر، كما أخبرنا قيم المكتبة، فقررت البقاء هناك حتى يأتي، وفي قلبي مهابة من الشيخ الذي سمعت عنه وأنا في العتيقة في أواسط الثمانينات ما عظمه عندي.

ولكن صاحبي ارتكب خطأ عن غير عمد، فقال للقيم وأنا لا أعرف: هذا فقيه من قبيلة الشيخ يعرفه، فاتصل به القيم، فجاء قبل موعده، فلما قدمت له نفسي وأطلعته على بغيتي، قال بحدة: قضي الأمر وانتهينا من هذا! ثم لماذا قلت: إنك تعرفني؟

ولم أعد أتذكر ما ردي على استنكاره.

ثم قدمت له نسخة من كتاب الصدق والصراحة، فأخذها وتأمل غلافها ثم قال لي: انتظر! ودخل إلى مكتبه الموجود في المكتبة، وبعد حين خرج وأعطاني مائتي درهم، ثم قال: اللهم يسر!

انصرفت، وأنا حزين لهذا الاستقبال الذي لا يخلو من خطإ لم أرتكبه ترتب عنه جفاء تحرزت بالفطرة من وقوعه.

ولما عدت إلى الدار كتبت رسالة إلى الشيخ اعتذرت له فيها، وأخبرته أن صاحبي هو الذي ارتكب الخطأ، وأني أهون وأحقر من أن أتجرأ عليه.

ويبدو أن الرسالة حققت هدفها، فلم يمر إلا شهور حتى أرسل إلي يطلبني لتدريس اللغة العربية في كُتَّاب يشرف عليه في حي الرميلة بعين الشق، وذلك في فبراير 2005، فذهبت إليه، ولما دخلت عليه في مكتبه ضحك وقال: هذا تكفير عما سلف، وأكرمني غاية الإكرام المادي والمعنوي في تلك الزيارة.

ثم قال لي بعد يوم من الزيارة: عد الآن إلى منزلك، وسأتصل بك يوم يتيسر الأمر.

ثم اتصل بي في اليوم الخامس من شهر ماي 2005 وذلك في مقهى في الصويرة، في انتظار زيارة المحامي، ثم التحقت بالكتاب في التاسع من نفس الشهر.

والغريب أن ذاك الفقيه هو الرسول بيننا!

أما المعهد فقد رفضت الوزارة أن تعطيه الرخصة لافتتاحه، لحساسيتها المعروفة عن الشيخ، ولم يفتح إلا بعد تنازل الشيخ عن إدارته، بعد رفض وتمنع وتدخل بعض معارفه. وقد غير اسمه فصار يعرف الآن بمعهد العرفان، أو مؤسسة العرفان؟

رحلت من البيضاء في صيف 2012 للالتحاق بالمركز الجهوي للتربية والتكوين في مراكش، وفي محطة أولاد زيان وقعت لي مفاجأة غريبة، وذاك أنني طلعت إلى الحافلة من الباب الأمامي، والتقيت في وسطها بالمحامي الذي طلع من الباب الخلفي، فعرفته وهو لي منكر، لأننا لم نلتق منذ صيف 2006، ويبدو عليه العياء، وتغيرت ملامحه كثيرا، سلمت عليه، فرد السلام غير مبال، فقلت له: لعلك لا تعرفني! فقال: لا، لا أعرفك! فقلت: فلان، فقال بدهشة: فقيهنا! ثم أضاف: سبحان الله! في هذا الصيف صدر حكم النقض لصالحك!

ولم أر بعدُ نسخة الحكم، فقد بقيت منسية في دهاليز محكمة أسفي.

وكنت أزورالمحامي كل صيف إلا صيف العام الماضي، فلما زرته هذا الصيف وجدته في حالة ضعف ونسيان فلم يعرفني، فعرَّفت نفسي فلم يتذكر حتى ذكرت له كتاب الصدق والصراحة. وقال لي: كنت مريضا حتى أشفيت على الموت ثم شفاني الله، ولم يعد يذهب إلى المحكمة لمرضه بل يمارس عمله في مكتبه. والله المستعان.

عن الكاتب

قريشي عبد الرحمن

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

إحصاءات المدونة

زوار المدونة

التعليقات

جميع الحقوق محفوظة

مدونة الكتابة والإبداع والنقد

2019